رسالة شيخ الأزهر بشأن تعليق التعليم الجامعي للفتيات في أفغانستان

 

يأسف الأزهر أشدَّ الأسف لصدور قرار من السُّلْطات في أفغانستان بمنع الفتيات الأفغانيَّات من التعليم الجامعي، فهو قرارٌ يتناقض والشريعة الإسلاميَّة، ويصدم دعوتها الصَّريحة للرجال والنِّساء أن يطلبوا العلم من المهدِ إلى اللَّحدِ، تلك الدَّعوة التي أثمرت عقولًا جبَّارة من نوابغ النساء في تاريخ الإسلام العلمي والسياسي والثقافي ولا زالت مصدر فخر وإعجاب لكل مسلم مخلص لله ورسوله وشريعته..

وكيف غاب عن مصدري هذا القرار ما يزيد عن ألفي حديث شريف في أصح الكُتُب عند أهل السُّنَّة روتها زوج النبي الطاهرة المطهَّرة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- وهل غاب عن هؤلاء ما حفل به تاريخ المسلمين من رائدات وأعلام في مجال العلم والتعليم والسياسة وناهضات المجتمعات الإسلامية قديمًا وحديثًا.

وأكتفي في هذا المقام بلفت نظر مُصدري هذا القرار بالرجوع إلى سَيِّد شُرَّاح البخاري.. الإمام الحافظ ابن حجر في كتابِه: «تهذيب التهذيب» ليعلموا -إن كانوا لا يعلمون- أنه ذكر نحو مئة وثلاثين امرأة ما بين راوية للحديث وفقيهة ومؤرِّخة وأديبة .. من الصحابيات والتابعيات وممَّن أتى بعدهن.. ومنهن فاطمة الزهراء -عليها السلام- وعائشة وحفصة وعمرة وأم الدرداء، والشفاء بنت عبد الله، وحفصة بنت سيرين وفاطمة بنت المنذر، وكريمة المروزية (راوية الإمام البُخاري، وبيبي الهرثمية)، وكذلك في كتاب «معجم أعلام النِّساء» لزينب العاملي (ت. 1332هـ) ما يزيد على ترجمة (450) امرأة من أعلام النساء المسلمات في علوم الشريعة واللغة والأدب، والأمر نفسه نجده في كتاب أعلام النساء لعمر رضا كحالة.

إنَّ هذا القرار الصادم لضمائر المسلمين وغير المسلمين ما كان ينبغي ولا يليق أن يصدر من أي مسلم، فضلًا عن أن يتمسَّك به ويزهو بإصداره.
وإنِّي، ومعي علماء الأزهر قاطبةً، وهم مُنتشرون في بقاع الأرض كلها؛ إذ أُعبِّر عن رفض هذا القرار واعتباره قرارًا لا يمثِّلُ شريعة الإسلام، ويتناقض جذريًّا مع دعوة القرآن الكريم، هذا الكتاب الذي تردَّدت فيه لفظة العلم والعقل بكل مشتقاتها أكثر من مئة مرة.. إنَّني إذ أُعبِّر عن كل ذلك فإنني أختمُ كلمتي بأمرين:

الأمر الأوَّل:

تحذير المسلمين وغير المسلمين من أن يعتقدوا أو يظنوا أو يتوهَّموا أن القول بتحريم تعليم النساء والفتيات أمر يقره الإسلام، وإنَّما ينكره أشدَّ الإنكار، وهو سلب لحقٍّ من الحقوق الشرعية التي كفلها الإسلام للنساء كما كفلها للرجال، سواء بسواء، والقول بغير ذلك افتراء على هذا الدٍّين القَيِّم، وأن الإسلام هو الدين الذي فرض طلب العلم على كل مسلمٍ ومسلمةٍ، وهو الدِّين الذي أعلن أنه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُون} [الزمر: 9]، وهو الدَّين الذي سوَّى في القدر والمنزلة بين مِداد العلماء ودماء الشهداء يوم القيامة.

الأمر الثاني:

أدعو أولي الأمر في أفغانستان أن يراجعوا أنفسهم، فالحق أحق أن يُتَّبَع، وأن نكون جميعًا على ذكرٍ دائمٍ من أنَّه لن يُغني عنَّا من الله شيء يومَ القيامة لا مال ولا جاه ولا سياسة.

موضوعات متعلقة

Leave a Comment