*نقد الإلحاد المعاصر.. أبرز إصدارات جناح الأزهر بمعرض الكتاب*
يقدم جناح الأزهر الشريف بمعرِض القاهرة الدوليّ للكتاب لزواره كتاب “الجانب المعرفي للإلحاد المعاصر.. عرض ونقد”، بقلم د. حمد عبد المجيد إسماعيل حمد، الأستاذ بجامعة الأزهر.
يأتي هذا الكتاب ليضع لنا جوابًا عن سؤال مهم قد يُفترض: لماذا يلحدون؟ وكم كانت الإجابة عنه محكمة ودقيقة ومتنوعة في هذا الكتاب، وفق أسلوب علمي رصين، ولغة راقية، واستيعاب تام للموضوع، فضلا عن دقة الحكم وعمق التحليل؛ لذا رأت الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية نشر هذا الكتاب؛ لكونه يأتي خطوة على الطريق الصحيح لتصحيح مسار من انتكست فطَرُهم؛ فأنكروا وجود الله – تعالى – وتنكروا للخالق تعالى.
يستهل المؤلف كتابه بالإشارة إلى أن معرفة الله تعالى والإقرار بوجوده والاحتياج إليه أمر فطري مغروس في النفس البشرية، يُلقي في نفس الإنسان الطمأنينة والسكينة؛ حيث يركن ذلك المخلوق الضعيف إلى قوة عليا فاعلة مؤثرة تحوطه بالعناية والرعاية والتوفيق في خطواته وسائر تصرفاته في تلك الحياة، ولولا هذه القوة القادرة لأصبحت الحياة خواء بلا معنى، ولصارت كثير من الاستفسارات والتساؤلات المتعلقة بحقائق الإنسانية الكبرى بلا جواب.
غير أنَّ نفرا من بني آدم اغتروا بعقولهم المريضة، وانتكست فطرتهم إلى حد إنكارهم لوجود الخالق تعالى، وزعموا أن لهم حول المعرفة الإلهية شبهات وشكوكا، قادهم إليها منهج “العلم التجريبي»، مع أن المعرفة بالله تعالى أسبق من “العلم” وطرائقه، والمبادئ العقلية من جهة ترتيب النظر وبناء المعرفة؛ حيث إنّه لا مجال لإثبات تلك المعارف والحكم بضرورتها بدون إثبات وجوده تعالى، وبغير الإيمان به تعالى يمتنع بناء رؤية فلسفية متسقة ومتكاملة.
ويوضح الكتاب أن من أهم ما يتكئ عليه الملاحدة المعاصرون، وينطلقون منه في رسم فلسفتهم المادية: العلوم الطبيعية التجريبية، فرؤيتهم لـ «الكون» و«الحياة» تقوم على أساس مادي مجرّد: هو الثَّابت بالتجربة وفق المنهج العلمي، ولا سبيل لتحصيل -المعرفة في نظرهم – إلا عبر هذا السبيل الذي تترسخ فيه مركزية “العلم التجريبي» والمغالاة في إمكاناته، وتوصلوا من خلال ذلك إلى أن وجود «الله» لا يمكن إثباته بـ «العلم التجريبي»، وبالتالي فهو غير موجود، واشتهر هذا الهراء الإلحادي تحت مسمى «العلموية» – «مذهب العلمية» الغالية.
ويدحض المؤلف هذه المزاعم خلال صفحات كتابه، لافتا إلى أن لكل مجال معرفي أدواته ومصادره، وبالتالي فمحاولة تعميم المنهج التجريبي ليكون المصدر المعرفي الوحيد في كل المجالات، واعتقاد أنه وحده الصالح لتقديم إجابات على كافة التساؤلات يُعد إشكالية منهجية وعلمية حقيقية تفضي بصاحبها إلى مشكلات علمية متعددة، وواقع المشهد العلمي القائم يشهد بتلك المشكلات المنهجية.
ثم يقرر المؤلف عددا من النتائج المهمة، أبرزها أن الحالة الإلحادية قديمة أو جديدة واحدة ومتفقة في معانيها، لكنها تختلف في صياغاتها ومبانيها بحسب تعدّد الأزمنة، وطروء الظروف، ومكتشفات يحسب الملاحدة أنّها تُسنِدُ «الإلحاد»، وترفض الإيمان»، ثم يقرر ثانيا أن الإلحاد المعاصر يعد حالة من الاضطراب يتلبس به بعض المأزومين نفسياً، حتى إنّه يجد لأحدهم كلامًا يقوم هو بنقضه في موضع آخر، فهو يعد مُستوى من الخلط بين “القلق «المعرفي» و«التوتر النفسي”.
كما يؤكد الكتاب أن “العلم التجريبي” هو أحد الطرق المعتمدة في تحصيل «المعرفة»، ولكن ليس مطلقا في جميع المعارف الشاهدة والغائبة، وليس طريقا وحيدًا لاستنبات البنى المعرفية التي تتنوع وتتعدّد بتنوع المجالات والميادين العلمية الحياتية، وينحصر دوره في القضايا الأساسية المتصلة بـ «الله» و «الإنسان» – في كونه داعمًا لما أسسه «العقل»، وما دام «العقل» يُقررُ إثبات “الوجود الإلهي»، فـ «العلم تبع له في تقرير ذلك، وكاشف له، والاكتشافات العلمية المعاصرة أقوى دعمًا في دلالتها على الإيمان بوجود إله فاعِل مُدبّر، بما يُؤكّد صحة الرؤية الدينية – في هذا الباب – وبخاصة التفسير الإسلامي الذي يتضمّنُ مطلق التقديس مع كمال التنزيه.
وأوصى الباحث في نهاية دراسته بإنشاء مركز متخصص في دراسات الملف الإلحادي بحيث يكون وكيلا في تناول “الإلحاد” وآثاره – العقدية والمعرفية والنفسية والاجتماعية – بالنقد والمواجهة.
وينتظم الكتاب في مُقدِّمةٍ وبابين وخاتمة، أما الباب الأول: فقد جاء عنوانه: التعريف بـ «الإلحاد المعاصر»، ويشتمل على ثلاثة فصول: الأول: مفهوم «الإلحاد المعاصر»، وسماته، الفصل الثاني: المُستند الفلسفي للإلحاد المُعاصر، الفصل الثالث: المُستند العلمي لـ «الإلحاد المُعاصر». وأما الباب الثاني، فجاء بعنوان: منهج المعرفة الإلحادية المعاصرة، عرض ونقد، ويشتمل على فصلين: الأول: التعريف بـ (النزعة العلموية)، الفصل الثاني: نقد «النزعة العلموية».
ويشارك الأزهر الشريف -للعام السابع على التوالي- بجناحٍ خاص في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 54 وذلك انطلاقًا من مسؤولية الأزهر التعليمية والدعوية في نشر الفكر الإسلامي الوسطي المستنير الذي تبناه طيلة أكثر من ألف عام.
ويقع جناح الأزهر بالمعرض في قاعة التراث رقم “4”، ويمتد على مساحة نحو ألف متر، تشمل عدة أركان، مثل قاعة الندوات، وركن للفتوى، وركن الخط العربي، فضلًا عن ركن للأطفال والمخطوطات.