*وكيل الأزهر من إندونيسيا: الأزهر سيظل حاملا حقيقيا للوسطية*
*”تشويه المفاهيم” سلاح جديد على أهل العلم أن يحذروه*
*هناك من أشهر “الوسطية” سلاحا في وجه الناس*
*الوسطية” لا تعني الميوعة أو التشدد بل الموازنة*
*التعايش والبحث عن المشترك هو طوق النجاة*
*وكيل الأزهر يدعو طلاب إندونيسيا لاستقراء دور الأزهر في تأسيس المنهج الوسطي*
ألقى فضيلة أ.د محمد الضويني، وكيل الأزهر، محاضرة علمية أمام طلاب وأساتذة معهد «تبوئرنج الإسلامي»، أحد أكبر المعاهد الدينية في إندونيسيا، وذلك في إطار زيارة فضيلته لدولة إندونيسيا، للمشاركة في الاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس جمعية “نهضة العلماء” الإندونيسية، وحضور المؤتمر العالمي الأول لفقه الحضارة.
وفي مقدمة المحاضرة، التي ألقاها وكيل الأزهر تحت عنوان “رسالة الأزهر الشريف في الوسطية الإسلامية” لفت فضيلته، إلى أن الحروب لم تعد قاصرة على الأسلحة المعهودة، بل اتخذت لها أشكالا جديدة، منها ما يدور في «ميدان المفاهيم»، والذي يعمد فيه الأعداء إلى خلط المفاهيم وتشويهها، مشددا على أن أهل العلم يجب عليهم أن يدافعوا عن دينهم ببيان مفاهيمه، وتعريفها للناس معرفة صحيحة بلا زيادة ولا نقصان.
وأوضح وكيل الأزهر، أن مفهوم “الوسطية” يعد أحد أبرز المفاهيم التي تتباين فيها المواقف، مؤكدا أنه حقٌّ في أصله وجوهره، ولكن هناك بعض من استخدموا هذا المفهوم بمعنى يخرجه عن المقصود به في دين الله؛ وجعلوه في أيديهم سلاحًا يشهرونه في وجوه الناس؛ فإما أن يكونوا وسطيين بفهمهم، وإما أن يصبحوا متشددين، والبعض الآخر أخذ يتحايل في تطبيقه، حتى وجد الناس أنفسهم أمام خيارات قد تفني إنسانياتهم.
واستعرض الدكتور الضويني دور الأزهر تجاه من اخطأوا استخدام مفهوم الوسطية، موضحا أن الأزهر الشريف كانت له وقفة أمام هؤلاء كعادته، منذ أن اتخذ منهج أهل السنة والجماعة مرجعيته الفكرية ، فإذ به يخرج عن كونه مسجدا فقط، ليصير ملاذا آمنا ، وجامعة تبني الإنسان، ليقف حارسًا آمينا على تُراتِ المسلمين، حتى صار الأزهر “جامعا وجامعة” حاملا حقيقيا للوسطية ، مؤديا لأمانة العلم، ورفع الجهل عن الناس، أخذا بأيديهم من براثن الجهل، رافعا راية العلم ، فصدق فيه أنه في حقيقته وجوهره إنما هو صورة من صور العبقرية العلمية.
وتناول وكيل الأزهر، خلال محاضرته “رسالة الأزهر الشريف في الوسطية الإسلامية”، بيان الوسطية ومفهومها، من عدة نقاط شملت؛ مفهوم الوسطية في اللغة ودلالته في القرآن والسنة، ومعالم الوسطية وأسسها، وكيف طبقها الأزهر الشريف، بالإضافة إلى عرض نماذج تطبيقية لبيان الفارق بين المنهج الوسطي وغيره في التعامل مع النصوص الشرعية.
وأكد وكيل الأزهر أن مفهوم الوسطية لا يعدو معنى الرفق، والتوازن في الأمور كلها، والأخذ بأعدل الأمور وأفضلها بما يتواءم مع الفطرة الإنسانية، وأن مقاييس هذه الأمة هي المقاييس الصحيحة إذا استقامت وأخذت بنور الوحي وعين العقل، وأن هذا الوصف خصيصة من خصائصها التي تميزت بها عن سائر الأمم، فهي الخيار والأجود.
وأوضح وكيل الأزهر أن “الوسطية” لها عدة معالم، يمكن إجمالها في؛ “الوحي نور والعقل عين تبصر النور”، و”المزواجة في الطبيعة الإنسانية، والاعتراف بواقعها، ومراعاة العوائد”، و “بساطة العقيدة، ويسر التكليف” و “مسايرة الفطرة وتهذيب الغرائز”، و “قبول التعدد، وعدم نبذ المخالف”، موضحا كيف طبق الأزهر الشريف تلك المعالم ومثلها خير تمثيل، وكيف علمها طلابه من شتى بقاع الأرض، حتى أصبح قلعة من قلاع العقيدة الراسخة.
وفي ختام محاضرته لطلاب إندونيسيا أكد وكيل الأزهر أن “الوسطية” لا تعني الميوعة والتشدد ، بل على العكس تماما فهي موازنة بين الاحتياج الفطري والإغراق في الشهوات، كما أن الوحي نور يرشدنا في طريقنا، ولكن لا بد من عقل يبصر هذا النور، مضيفا أن التعايش والبحث عن المشترك هو طوق النجاة في ظل التداعيات الغريبة التي تحيط بالواقع المعاصر، من غير التخلي عن المبادئ والهوية، بل التعايش والاقتراض الرشيد، كما أن الوسطية تتناسب مع الفطرة الإنسانية، فهي تمازج بين الروح والمادة، وإذا التزمها الإنسان فاز في الدنيا والآخرة.
ودعا وكيل الأزهر، في توصياته، إلى ضرورة عمل دراسات وافية عن الواقع المعاصر، وأسباب فقدان الوسطية في التعامل، بالإضافة إلى التأسيس لنظرية في الخطاب الدعوى تقرب الناس من حب الله ورسوله، ثم استقراء دور الأزهر الشريف في تأسيس المنهج الوسطي منذ نشأته إلى الوقت الحالي، ثم استخلاص هذا الأمر في قواعد منهجية.