وزارة الاوقاف : دليل مع الحجاج يومًا بيوم حتى ثالث أيام التشريق

 

مواسم الخيرات والبركات

التفاضل بين الخلق سُنَّة من سنن الحق سبحانه وتعالى، فقد فضل الله (عز وجل) بعض النبيين على بعض، حيث يقول سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} (الإسراء:55)، ويقول سبحانه : {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (البقرة : 253)، وفضل بعض الشهور على بعض، حيث يقول سبحانه: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} (التوبة : 36)، والأشهر الحرم هي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب .
وقد فضل سبحانه بعض الليالي على بعض فقال (عز وجل): {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } (القدر: 1-3)، وقال سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} (الدخان : 3).
كما فضّل بعض الأيام على بعض، ومن الأيام التي فضَّلها سبحانه على سائر الأيام العشر الأول من ذي الحجة، حيث يقول سبحانه: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ}(الفجر: 1،2)، قال ابن كثير: “وَاللَّيَالِي الْعَشْرُ الْمُرَادُ بِهَا عَشرُ ذِي الْحِجَّةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ”.
ويقول سبحانه: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (الحج : 28)، يقول ابن عباس: هي أيام العشر.
ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟” قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: “وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ”، وعن ابن عمر (رضي الله عنهما) أن نبينا (صلى الله عليه وسلم) قال: “مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ الله، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ”، وفيها يوم النحر، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم):”إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ الله يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ”.
وسئل سفيان بن عيينة (رضي الله عنه) يومًا، ما كان أكثر دعاء النبي (صلى الله عليه وسلم) بعرفة ؟ فقال: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ؛ فقيل له : هذا ثناء وليس بدعاء، فقال: أما علمت أن الله (عز وجل) يقول: “إذا شَغَلَ عَبدي ثَنَاؤُه عَن مَسأَلَتي أَعطَيْتٌه أفْضَل ما أُعطِي السَّائِلِين”، وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “يَقُولُ الرَّبُّ (عَزَّ وَجَلَّ): “مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ عَنْ ذِكْرِي وَمَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ، وَفَضْلُ كَلَامِ الله عَلَى سَائِرِ الكَلَامِ كَفَضْلِ الله عَلَى خَلْقِهِ”، وعن عَمْرو بْن شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَوْمَ عَرَفَةَ: “لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”، ويقول (صلى الله عليه وسلم): “خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”.
وذلك للحاج وغيره، وكذلك ذبح الهدي والأضاحي، يقول الحق سبحانه: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (الحج: 36)، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى الله مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ الله بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا”.
وعن عائشة (رضي الله عنها): أنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً، فَقَالَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم): “مَا بَقِيَ مِنْهَا؟ “قالت: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلاَّ كَتِفُها، قَالَ:” بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرُ كَتِفِهَا”.
وفي هذه الأيام المباركات يستحب الإكثار من الصلاة والقيام والذكر والدعاء وقراءة القرآن الكريم وسائر أنواع البر والطاعات، وأبر البر في هذه الأيام صلة الرحم، حيث يقول الحق سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء:1)، ويقول (عز وجل) في الحديث القدسي:” أَنَا الله، وَأَنَا الرَّحْمَنُ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا مِنْ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ “.
كما يستحب في هذه الأيام المباركة الإكثار من الصدقة على الفقراء، والحرص على سنة الأضحية توسعة عليهم، حيث يحثنا نبينا (صلى الله عليه وسلم) على ألا نحوج أحدًا من الفقراء والمساكين إلى السؤال في أيام العيد، فيقول (صلى الله عليه وسلم): “أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ”.
كما خص الحق سبحانه وتعالى يوم عرفة الذي هو من هذه العشر بمزيد من التفضيل، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم):” مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ؟”.
وفي قول الحق سبحانه: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} (البروج: 3)، يقول أبو هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه): إن نبينا (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قال: “اليَوْمُ المَوْعُودُ يَوْمُ القِيَامَةِ، وَاليَوْمُ المَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، وَمَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلَا غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْهُ، فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُو الله بِخَيْرٍ إِلَّا اسْتَجَابَ الله لَهُ، وَلَا يَسْتَعِيذُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا أَعَاذَهُ الله مِنْهُ”.
ولما نزل قول الله (عز وجل): {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}(المائدة : 3)، جاء رجل من اليهود إلى سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فقال: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ، لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا، قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}(المائدة : 3) قَالَ عُمَرُ: “قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ”.
وفي فضل صيام يوم عرفة لغير الحاج يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم):” صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى الله أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ”.
فهذه أيام فضلٍ وبرٍّ وبركةٍ، فالعاقل من اغتنمها وتعرض لنفحات الله فيها.
#دليل_الحاج

موضوعات متعلقة

Leave a Comment