خلال كلمة مفتى الجمهورية في افتتاح الندوة الدولية الأولى لدار الإفتاء يوجَّه الشُّكر للرئيس السيسى لرعايته الكريمة للندوة الدولية الأولى لدار الإفتاء المصرية

خلال كلمة فضيلته في افتتاح الندوة الدولية الأولى لدار الإفتاء..
مفتي الجمهورية يتوجَّه بالشُّكر لرئيس الجمهورية لرعايته الكريمة للندوة الدولية الأولى لدار الإفتاء المصرية

مفتي الجمهورية:
– نلتقي احتفاءً باليوم العالمي للفتوى وذِكرى تأسيس “الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم” لتحقيق الأمن الفكري وتعزيز السِّلم العالمي

– توجد تحديات جسيمة تواجهنا في الواقع الذي نعيشه اليوم وهذه التحديات تهدِّد أمننا ومجتمعاتنا بشكل كبير

– وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت على انتشار فوضى الفتاوى وأثَّرت بالسلب على الأمن الفكري والاستقرار المجتمعي بشكل خطير

– نقصد بالأمن الفكري حمايةَ العقول الإنسانية من أيِّ تطرُّف أو غلو في فهم النصوص الدينية أو تطبيقها بشكل خاطئ

– الجماعات المتطرفة شكَّلت خطرًا على الأمن الفكري والمجتمعي وغرست أفكارًا منحرفة في العقول جعلت الإنسان بلا انتماء أو هُوية

– دار الإفتاء المصرية بذلت جهودًا كبيرة وفعَّالة في تعزيز الاستقرار المجتمعي ودعم ركائز الأمن الفكري على مدار مسيرتها الدينية والوطنية

– العلاقة بين الفتوى وتحقيق الأمن الفكري وثيقة ووطيدة لكون الفتوى صمامَ الأمان للمجتمع من كلَّ انحراف أو تطرف

– الفتوى لها دَور مهم في إرساء دعائم الأمن الفكري من خلال تعزيز الانتماء الوطني والشعور بالهُوية وإرساء مبادئ المواطنة الشاملة

– الأمانة العامة للإفتاء تعمل على التواصل مع جميع دُور وهيئات الفتوى بالعالم لرصد القضايا وتساهم في بسط السِّلم والأمن الدولي

– نسعى تعزيز قدرات دار الإفتاء في مواجهة “الإرهاب الإلكتروني” الذي يعد أكبر مهددات الأمن الفكري والمجتمعي

قال فضيلة الأستاذ الدكتور نظير عيَّاد- مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: نلتقي في هذه اللحظات المباركة احتفاءً باليوم العالمي للفتوى، واحتفالًا بيوم تأسيس “الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء بالعالم”، وتعزيزًا للجسور الدينية والمعرفية والفكرية بين دار الإفتاء المصرية وجميع المؤسسات العلمية والإفتائية والإعلامية بالعالم؛ بما يمكننا من ترسيخ دعائم الوسطية والاعتدال وتحقيق الأمن الفكري وتعزيز السلم العالمي، والتكامل نحو صياغة خطاب إفتائي رشيد يبين صحيح الدين ويحقق مقاصده، بالإفادة من القرائح المتميزة، والثقافات المتنوعة، والأطروحات التجديدية الكريمة التي سيطرحها السادة العلماء.
وأضاف خلال كلمته بالندوة الدولية الأولى التي تعقدها دار الإفتاء المصرية بمناسبة اليوم العالمي للفتوى تحت عنوان: “الفتوى وتحقيق الأمن الفكري” المنعقدة في الفترة 15 – 16 ديسمبر برعاية السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي -رئيس جمهورية مصر العربية- متوجهًا بخالص الشكر والامتنان لفخامة الرئيس، على رعايته الكريمة للندوة الدولية الأولى لدار الإفتاء المصرية، مشيرًا إلى أن رعاية سيادته لها تأتي ضمن دعمه الكبير واللامتناهي للمؤسسات الدينية من أجل القيام بدَورها الديني والوطني والعالمي نحو نشر وسطية الإسلام وتصحيح صورته بعيدًا عن تحريف الغالين أو تأويل المبطلين.
وتابع: هناك تحديات جسيمة وخطيرة تواجهنا في الواقع الذي نعيشه اليوم، وتعد هذه التحديات المهدد الرئيس لأمننا ومجتمعاتنا بشكل كبير، ومنها بلا شك: “الفتاوى الشاذة” أو “فوضى الفتاوى”، التي تصدر من غير ذي صفة في الفتوى، وتكون فتياه عارية عن النظر والاستدلال الصحيح المتفق مع نصوص الشريعة الكلية ومقاصدها الكريمة، أو تصدر ممن ظن أنه بمجرد قراءة بسيطة في بعض الكتب أو المواقع قد أصبح بها في مصافِّ أهل الفتوى؛ وهذه الفتاوى أصبحت سببًا للطعن في الإسلام وتشويه صورته، ومعوقًا رئيسًا لتحقيق الأمن والاستقرار، ولا شك أن تسميتها فتوى هو بالأساس من باب المجاراة، وإلا فحقها أن تسمى دعوة أو دعوات للإفساد في الأرض، فإن التطرف نحو تكفير المسلمين، واستباحة دمائهم، وتخويف الآمنين وترويعهم ليس من الإسلام في شيء.
كما أكد أن وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت على انتشار هذه الفوضى، حتى إننا نجد عدد المفتين في الواقع الافتراضي يكون بعدد مَن لهم صفحات أو مواقع عليها، الأمر الذي أثر بالسلب على الأمن الفكري والاستقرار المجتمعي بشكل خطير، ومن ثم فإن المرء ليتعجب عندما ينظر في حال هؤلاء القوم ويقارن بينهم وبين حال الصحابة الكرام رضي الله عنهم الذين كانوا يتورعون عن الفتوى بالأساس، فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: «أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله ﷺ -أراه قال: في المسجد- فما كان منهم محدِّث إلا ودَّ أن أخاه كفاه الحديث، ولا مفتٍ إلا ودَّ أن أخاه كفاه الفتيا». وورد عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «مَن أفتى الناس بكل ما يسألونه فهو مجنون».
في الإطار ذاته قال فضيلة المفتي: عندما نتحدَّث عن الأمن الفكري نقصد به: حماية العقول الإنسانية من أيِّ تطرف أو غلو في فهم النصوص الدينية، أو تطبيقها بشكل خاطئ على أرض الواقع، ونهدف بذلك إلى ضرورة تصحيح المفاهيم المغلوطة وصيانة الأفكار من كل انحراف أو شذوذ فكري، وبذل الجهود نحو تحصين الشباب من الاستقطاب الفكري الذي تحرض عليه الجماعات المتطرفة، وحمايتهم من الجنوح نحو الإلحاد والإباحية.
وإننا في الوقت ذاته نواجه منهجَي [الإفراط والتفريط]، ونبحث كيف نحمي الإنسان من شرورهما الأثيمة، لذا فإن اهتمامنا بالأمن الفكري وقضاياه المتنوعة يأتي من منطلق الترابط الوثيق بينه وبين الأمن المجتمعي، فهو أهم ركائزه الرئيسة؛ لأنه مرتبط بالفهم الوسطي والمعتدل لصحيح الدين، ويشكل هوية الأمة وعقيدتها في النواحي الدينية والمدنية، ويبني إنسانًا صالحًا سليمًا من الأفكار المتطرفة، فاعلًا في المجتمع، مشاركًا في استقراره وتعزيز أمنه وسلامته.
ومن ثَمَّ تظهر خطورة الجماعات المتطرفة على الأمن الفكري والمجتمعي على السواء؛ حيث إنها تغرس أفكارًا منحرفة في العقول، تجعل الإنسان مسخًا مشوهًا بلا انتماء أو هُوية، غير الانتماء لها ولمصالحها الخبيثة، وتعزِّز فيه معاداة المجتمع باعتباره من وجهة نظرها مجتمعًا كافرًا جاهليًّا لا يمثِّل المجتمع المسلم الصحيح، ثم إنها تنمي عنده العزلة الشعورية أو الحسية تجاه المجتمع، وفي النهاية تطلب منه أن يستبيح الدماء المعصومة، ويمارس أعمالًا إرهابية تخريبية في المجتمع بذريعة أن هذا هو طريق الإصلاح.
ولفت فضيلته النظر إلى أن اجتماعنا اليوم يجب أن يؤكد أن هذه الجماعات لا تمثِّل الإسلام في شيء، وأنها كانت سببًا رئيسًا لوصف الإسلام بما ليس فيه.
وأردف مؤكدًا أن الفتوى لها دَور مهم في إرساء دعائم الأمن الفكري، من خلال: تعزيز الانتماء الوطني والشعور بالهوية، وإرساء مبادئ المواطنة الشاملة، التي تقوم على التعايش والتسامح وقَبول التنوع الديني والعِرقي والمجتمعي في الوطن الواحد، وتجلي قيمة العقل والفكر والعلم، وتعلي من شأن العلوم الإنسانية وتنظر إليها باعتبارها تتكامل مع العلوم الأخرى من أجل تحقيق النهوض الحضاري المنشود، وتدعم الابتكار والإبداع والفن الذي يعزِّز القيم الأخلاقية والمجتمعية، كما أنها بمنزلة الحارس الأمين الذي يحرس الأمة من الفتن والاضطرابات والحيرة والبَلبلة التي تنشرها الجماعات المتطرفة في المجتمع.
وفي سياق ذي شأن أوضح فضيلة المفتي أنه وفقًا لمكانة الفتوى وقيمتها وجدنا جماعات العنف والتطرف قد حرصت على أن تنفذ لقلوب الناس من خلالها، فأنشأت مواقع ودوائر إفتائية بمسميات دينية براقة، وأصدرت كتابات تتضمَّن محتويات إفتائية في قضايا فكرية ومجتمعية بالغة الخطورة، تتعلَّق بتكفير المسلمين واستباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم بداعي الردَّة لأدنى سبب، وتطورت فتاوى التكفير إلى الحكم على الإسلام بالإرهاب وعلى المسلمين بالتعصب والدموية.
وقد قامت دار الإفتاء المصرية بجهود كبيرة وفعالة في تعزيز الاستقرار المجتمعي ودعم ركائز الأمن الفكري على مدار مسيرتها الدينية والوطنية، منذ تأسيسها حتى هذه اللحظة التي أقف فيها بين يدي حضراتكم الآن، وتأتي هذه الندوة المباركة امتدادًا طبيعيًّا لهذه الجهود، ومن المهم أن أعلن لحضراتكم عن استراتيجية دار الإفتاء المصرية لتحقيق الأمن الفكري في المرحلة المقبلة، والتي ستكون وفق المسارات الآتية:
المسار الأول: تفعيل مشروع “التجديد المؤسسي لقضايا الفكر والمجتمع”، والذي يأتي امتدادًا لما قام به الأزهر الشريف في مؤتمر (التجديد في الفكر والعلوم الإسلامية عام 2020م)، وسيكون ذلك من خلال التعاون والتكامل مع جميع المؤسسات الدينية والمجتمعية المصرية وفي مقدمتها “الأزهر الشريف” برعاية مولانا فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور/ أحمد الطيب (حفظه الله ورعاه)، بهدف التعاون والتكامل نحو رصد القضايا والإشكاليات الملحَّة في الواقع، لدراستها دراسة فقهية وإفتائية جادة تنتهي إلى صياغة الحكم الشرعي صياغة دقيقة ومحكَمة تحقق مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، وتراعي المصالح الوطنية والمجتمعية، وتغلق الباب أمام كل متربص بالإسلام أو مزايد على صلاحيته لكل زمان ومكان، مع ضرورة إتاحتها والترويج لها بشكل مجتمعي مناسب يُسهم في تعزيز الوعي عند أفراد المجتمع، الأمر الذي سيتحقق به الأمن الفكري.
وفي الوقت نفسه ستقوم “الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء بالعالم” بالتواصل مع جميع دور وهيئات الفتوى بالعالم لرصد القضايا والإشكاليات الملحَّة عندهم والتعاون معهم بهدف بيان وجهة النظر الشرعية المناسبة لهذه القضايا، بما سينعكس بشكل إيجابي على السِّلم والأمن الدولي والمجتمعي.
المسار الثاني: تدشين العديد من البرامج المجتمعية التي تُعنى بقضايا الأمن الفكري، مع نشر الوعي بمخاطر منهجَي الإفراط والتفريط وتداعياتهما السلبية على الأمن المجتمعي، والتحذير من خطورة الاستقطاب نحو الأفكار المنحرفة، وتعزيز القيم والمبادئ التي تُعنى ببناء الإنسان بناءً معرفيًّا وثقافيًّا وجسديًّا وروحيًّا بناءً جادًّا، وذلك وفق خطة دقيقة ومحكمة سيلتقي فيها أمناء الفتوى بالدار جميعَ أطياف المجتمع ومؤسساته للردِّ على أسئلتهم واستفساراتهم حول القضايا الملحة والمستجدة.
المسار الثالث: تطوير “وحدة حوار” بهدف تعزيز الأمن الفكري عند الشباب، وبناء الجسور المعرفية والثقافية مع جميع أفراد المجتمع، وتعزيز مكانة المرجعية والمؤسسات الدينية التي حرصت – ولا تزال – الجماعات المتطرفة على تشويهها.
وهذا التطوير سيكون بدفع طاقات شبابية جديدة قادرة على الحوار الجاد الذي يقوم على تعزيز قضايا الأمن الفكري بناء على حجج عقلية وبراهين منطقية، لا يستطيع طرفي الإفراط والتفريط نقضها أو تجاوزها، بالإضافة إلى تحديث البرامج التدريبية التي تؤهل أعضاء هذه الوحدة تأهيلًا معرفيًّا وثقافيًّا جادًّا يحقق غايتها ورسالتها التي أُنشئت من أجلها.
المسار الرابع: تكليف “مركز سلام” التابع لدار الإفتاء المصرية بالتواصل مع مؤسسات وهيئات البحث العلمي لدراسة الظواهر والأفكار المهددة والمعوقة لتحقيق الأمن الفكري، دراسة علمية جادة تتكامل فيها وجهات النظر والرؤى الدينية والإنسانية حتى تؤطر مخرجاتها للإجراءات الواقعية والمناسبة لتعزيز وتحقيق الأمن الفكري.
المسار الخامس: تعزيز قدرات دار الإفتاء في مواجهة “الإرهاب الإلكتروني” الذي يعدُّ أكبر مهددات الأمن الفكري والمجتمعي، والذي تكرس له الحركات والجماعات المنحرفة جهودها، بهدف نشر العنف، وزعزعة الثقة بين أفراد المجتمع، ونشر الشائعات المغرضة، ومحاولة تجنيد الشباب لأفكارها الإرهابية المتطرفة، والابتزاز المادي والمعنوي الذي تمارسه بحق بعض الأفراد والأُسر، وغير ذلك مما يهدد أمن المجتمع ويزعزع استقراره، وستبذل الدار جهودًا حثيثة في مواجهة ذلك من خلال صفحاتها ومواقعها على وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك من خلال برامجها التوعوية الميدانية على أرض الواقع.
وفي ختام كلمته توجَّه فضيلة المفتي بخالص الشكر والتقدير لحضور الندوة الكريم من داخل مصر وخارجها، كما توجَّه بخالص الشكر والتقدير لجميع العاملين بدار الإفتاء المصرية الذين قاموا بأدوار كبيرة وأسهموا بشكل فعال في الإعداد لهذه الندوة ونجاحها على النحو المنشود، وكذلك توجه بالشكر والتقدير للجهات التنفيذية والأمنية والإعلامية التي أسهمت في نجاح الندوة.

موضوعات متعلقة

Leave a Comment